أسرار
عيد الأضحى
المبارك
علي منصور
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف1996 طبعة ثانية منقحة 2005
بسم الله الرحمن الرحيم
أسرار عيد الأضحى المبارك
الجزء الأول
بمناسبة عيد الأضحى المبارك، دعنا نرى ما جاء في القرآن الكريم عن الموضوع. أولا، لم يذكر القرآن الكريم كلمة «الأضحى» أو «أضحى» أو الفعل «يضحّي» أو أي كلمة أخرى مشتقة منها بتاتاً. فهناك عدد قليل من الآيات ورد فيها ذكر «ضحى» أو «ضحاها» بمعنى «فجر» لكن عن كلمة الأضحى، يصمت القرآن الكريم ،ومع ذلك ، يذكر القرآن الكريم الآية التالية التي تخبرنا عن النبي إبراهيم عليه السلام، عندما ذبح ذبحاً عوضاً عن ابنه الحبيب. {وفديناه بذبح عظيم} (الصافات 107 )
لماذا يصف القرآن الكريم هذا الذبح بأنه {عظيم } ؟
كلنا نعلم أن «العظمة لله وحده» وأن الحلفان «والله العظيم» هو «أغلظ الأيمان» (أي أعمق الأقسام)، و أن اسم «العظيم» هو من أسماء الله الحسنى التي لا تنطبق على بني آدم. فلماذا يذكر القرآن الكريم عظمة هذا الذبح؟ فبالتأكيد، الذي ذُبِحَ كان كبشاً ولا يساوي الكبش حياة ابن إبراهيم. فإذاً، ماذا يقصد القرآن الكريم بالآية: { وفديناه بذبح عظيم} ؟ إن لم يكن هناك معنى ينطبق علينا، فلماذا يذكره القرآن الكريم؟ أفيه عبرة لنا؟ وما هي هذه العبرة؟ إن الذبح لا يساوي حياة إنسان (ابن إبراهيم) إذاً، هو رمزٌ والمرموز إليه يجب أن يتوفّر فيه صفة العظمة إضافةً إلى غيرها من الصفات الأخرى. فالعبرة هي أن الذبح لم يكن عظيماً بحد ذاته بل كان عظيماً بسبب ما يرمز إليه. وإلى ماذا يرمز هذا الذبح؟ كان الكبش وسيلة فداء الله لابن إبراهيم، فبالتالي يرمز إلى رحمة الله الفادي، وبكلمات أخرى، موت الذبح قد فدى الإنسان وأعطى له الحياة.
من أين كان مصدر الذبح؟
هل كان من عند بني آدم أم من عند الله تعالى؟ لقد جاء في القرآن الكريم: { وفديناه بذبح عظيم} أي أن الله نفسه فداه. إذاً، كان الذبح من عند الله.
وكيف جاء الذبح إلى دنيانا هذه؟
لقد أتى بطريقة فريدة، وبمعجزة من عند الله، حسب ما جاء في القرآن الكريم{ وفديناه بذبح عظيم}.
أين مكان الذبح؟
هناك أقاويل كثيرة تتعلق بمكان هذا الذبح ويناقض بعضُها البعضَ الآخر. ولنتأكد من الحق، لنرى ما يقوله الله في {كتبه} (البقر285) أي الكتب السماوية. إن القرآن الكريم ما ورد فيه شيءٌ عن هذا الموضوع، والإنجيل الشريف أيضاً لم يذكر شيئاً عنه، لكن {التوراة فيها هدى ونور } (المائدة 44) تفيدنا ببعض المعلومات البالغة الأهمية. ففي التوراة الحكيمة، يأمر اللهُ سيدَنا إبراهيم أن يذهب إلى جبل موريا ليذبح ابنه (تكوين 3:22). ومن بعد ذلك الحدث بمئات السنوات، أخذ الملك سليمان الحكيم يبني معبد الله الكبير في مدينة القدس على نفس الجبل (أخبار الأيام الثانية 1:3) إذاً، ذَبَحَ سيدنا إبراهيم الذبح قُربَ مدينة القدس.
هل كان هذا الذبح عادياً؟
من المؤكد أن ذلك الذبح كان لا يقلّ مستوى طهارته عن طهارة البقرة التي ذبحت في أيام موسى عليه السلام. فقد جاء في القرآن الكريم عن تلك البقرة: {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون} (البقرة 71). لم يصف القرآن الكريم هذه البقرة مطلقاً بأنها عظيمة لكن يذكر القرآن الكريم عن الكبش أنه {عظيم} . لذلك نفهم أن الذبح الذي أعطاه الله لفداء ابن إبراهيم كان فعلاً طاهراً ولا عيب فيه.
هل من أجل الفقراء نذبح الخراف في عيد الأضحى المبارك؟؟
يقول فريق من الناس أن الله عز وجل وصّانا بالذبح لكي يأكل الفقراء من اللحم، وبالطبع يستفيد الفقراء من أكلهم لحمها ولكن هل كانت غاية الله للذبيحة مجرد إطعام الفقراء؟ إن الله لم ينزّل أي أوامر أو تعليمات في القرآن الكريم أبداً تفيد بأن نذبح في عيد الأضحى المبارك، ونذبح نحن مجرداً لأن سيدنا إبراهيم قد ذبح ونمتثل به. دعنا نرى جميع الآيات التي وردت في القرآن الكريم تخص سيدنا إبراهيم والفداء بأكملها لكي نفهم أكثر عن هذا السؤال:
{رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} (الصافات 100-113)
أولا، نأتي ببعض الملاحظات:
1) بالنسبة إلى سيدنا إبراهيم قدوتنا في الذبح، لم يوجد حواليه فقراء حين ذبح الكبش ولم يُذكَر الفقراء في الرواية مطلقاً.
2) ماذا فعل الله تعالى بعد أن أسلم سيدنا إبراهيم وابنه الحليم؟ هل قال لهما: «لقد صبرتما على المحنة فارجعا إلى بيتكما؟» كلا، لأن هناك ضرورة الذبح. هل قال تعالى: «اذهبا إلى السوق وآتيا بكبش واذبحاه؟» كلا، بل الله نفسه أعطى الذبح.
3) لقد أعطى الله لسيدنا إبراهيم ذبحاً عوضاً عن ابنه لفدائه، ومات الذبح لكي لا يموت ابنه وموت الذبح أعطى حياة للإنسان (أي فداه).
4) جاء الذبح بطريقة فوق الطبيعة .
5) كان الذبح عظيماً .
6) كان سيدنا إبراهيم لا يدري أن الله تعالى سوف يرسل إليه الفداء بل كان يعلم فقط أنه سوف يذبح ابنه، كما جاء في القرآن الكريم: { قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك }
7) كان الذبح رحمة من عند الله تعالى
لقد رأينا في الملاحظة 1) أعلاه، أن القرآن الكريم لم يذكر الفقراء أبداً في رواية الذبح . إذاً، إجابة أولئك الذين يقولون أن سبب الذبح هو إطعام الفقراء هي غير صحيحة ولا أساس لها. فما هو سبب ذبحنا إذاً؟، لنرجع إلى ذلك الذبح وإلى سيدنا إبراهيم لكي نرى بالتأكيد سبب ذبحنا الخراف ولنسأل:
لماذا ذبح سيدنا إبراهيم الذبح؟
قال سيدنا إبراهيم: { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82) و{ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم 41). إذا، كان سيدنا إبراهيم يخاف الله تعالى ويعلم أنه خطّاء يحتاج إلى فداء الله من ذنوبه وخطاياه. قد أعطى الله تعالى سيدنا إبراهيم الذبح ليريه حاجته إلى أن يثق بما عمله الله وليس بما يقدر عليه الإنسان. ولذلك ذبح الذبح، طالباً من الله عز وجل فداءه وغفراناً لخطاياه. إذاً نذبح نحن أيضاً لكي نُظهِرَ اتكالنا على الله تعالى وعلى ما عمله ولكي نطلب غفرانه تعالى وفداءه.
لكن مع الأسف الشديد، نرى أن أكثرية الناس حوالينا اليوم واثقون أنّ لا خوف عليهم بالنسبة لمصيرهم الأبدي لأنهم يعتبرون أنفسهم أحسن من غيرهم ويظنون أنهم لا يحتاجون إلى من يفديهم يوم الدين من خطاياهم. أولئك يظنون أن التدابير الدينية التي عملوها كافية لحمايتهم من نار جهنم. ومَثَلُهم كمَثَل الناس في هذه الحادثة:
الثقة غير المناسبة
في الربيع من سنة 1912م، جُهّزت سفينة التيتانيك لسفرها الأول من إنجلترا إلى نيو يورك وحسب رأي الخبراء في ذلك الوقت أنه من المستحيل غرقها. وقال بعض الذين كانوا سيركبون السفينة عبر المحيط الأطلسي واثقين «إننا سوف نكون في الأمان ولن يصيبنا شيء من الضرر أو الخطر. هذه السفينة أكبر من أية سفينة أخرى في العالم ونتكل على جهود البشر العظيمة التي صنعت هذه السفينة الضخمة لنعبر المحيط بسلام، وجهود الإنسان تكفينا وهي أمانُنا.» ولكن ماذا حدث؟ اصطدمت السفينة بجبل جليد وغرقت ومات 1500 شخص – جميع الذين لم يركبوا قوارب النجاة.
أيها القارئ، هل أنت مثل هؤلاء الركاب وتثق بجهودك البشرية (الحسنات وأداء الفرائض الخ) لكي تعبر بأمان محيط الموت وأنت تتمنى الوصول إلى الجنة؟ قد تشعر بأمان وطمأنينة ولكنك قد تكون في الوقت نفسه في خطر مخيف. إن الحسنات والجهود البشرية لن توصلك إلى الجنة. والنبي إبراهيم نفسه لم يثق بتقواه وصلاحه بل ذبح ذبح الفداء، لأنه جاء في القرآن الكريم:{والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82) وأيضا : {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم 41). هل نحن أحسن من سيدنا إبراهيم؟ إن كنت تريد أن تثق بفداء الله مثل ما وثق سيدنا إبراهيم لتنجو من نار جهنم، فماذا تعمل؟ إن المسألة هامة للغاية، لأن جميع الذين يثقون بحسناتهم وتقواهم سيصليهم الله بنار جهنم. فما هو الطريق إلى»قوارب النجاة» التي وحدها تقدر أن تنجيك؟
الجزء الثاني
من يحتاج إلى الذبح؟
لقد رأينا أن كثيرين من الناس حوالينا اليوم يجهرون «الاتكال على الله» بكلامهم، لكنهم لا يظنون أنهم يحتاجون فعلاً إلى من يفديهم من خطاياهم الظاهرة والباطنة. وثقتهم الواقعية هي بحسناتهم وهم منتفخون ومتكبرون بتقواهم المفترضة، وواثقون أن الله سوف يرضى عنهم كما هم. نرى في هذه الرواية شخصاً مماثلاً:
المتشدد والساهي عن دينه
دخل إلى بيت الله يوماً رجلان ليصلّيا، وكان أحدهما ملتزماً ومتشدداً والثاني غير ذلك. ونظر المتشدد إلى الساهي بازدراء وتعجرف وقال للجمهور حوله بصوت عالٍ:»أحمدك، يا الله، لأنني إنسان متديّن وملتزم. فأنا أصلي جميع صلواتي بلا نسيان وأصوم فوق الفرض يومين في الأسبوع، وآتي بزكاتي دون نقصان أو تأخير. ويشهد لي هذا الجمهور جميعاً على أنني أتصدق على السائلين. وكثيرة هي الصالحات التي أعملها، ولست أنا كهذا الساهي.» وأما الثاني، فلم يتطلع إلى الأعلى أبداً لحزنه واستحيائه على خطاياه، لكن دعا الله بخشوع وتواضع: «اللهم ، أيها الرحمن الرحيم، ارحمني، لأني خطّاء وأحتاج إليك للغفران والفداء.» فعلى من رضي الله برأيك؟
ما كان سيدنا إبراهيم مثل ذلك المتشدد، بل كان يخاف الله وعَلِمَ أنه يحتاج إلى من يفديه من ذنوبه وخطاياه. كما قال: { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82) و { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم 41). فنرى أن إبراهيم النبي عليه السلام عرف أنه خاطئ يحتاج إلى فداء الله فلذلك ذبح الذبح، واثقاً بالفادي وطالباً من الله تعالى أن يفديه.
وهل سيدنا إبراهيم هو الخاطئ الوحيد الذي يحتاج إلى غفران الله وفدائه؟ لقد جاء في القرآن الكريم:
{إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم 34)
{إن الإنسان لكفور} (الحج 66)
{إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} (يونس 44)
{ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} (النحل 61)
{قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره} (عبس 17)
{إنه كان ظلوماً جهولاً }(الأحزاب 72)
{إن النفس لأمّارة بالسوء} (يوسف 53)
{إن الإنسان لكفور مبين} (الزخرف 15)
{فإن الإنسان كفور} (الشورى 48)
{وكان الإنسان كفوراً} (الإسراء 67)
ونحن جميعا خطّاءون ومذنبون، ونحتاج مثل الساهي أن نستغفر لذنوبنا ونطلب فداءه تعالى وغفرانه. نحتاج كلنا إلى الذبح.
لماذا نغمس أيدينا في دم الخراف المذبوحة؟
إن كثيرين من الناس يغمسون أيديهم في دم الخراف المذبوحة عندما يشترون، مثلاً، منزلاً جديداً أو سيارةً جديدةً. وهل نذبح مجرداً لأجل الحماية من العين الشريرة؟ أم في الذبح والدم عبرة لنا؟ نعم، في الدم عبرة لنا.
ما هي العبرة في الدم؟
من البداية قد بيّن الله لبني آدم أنه تعالى يصرّ على الدم في الذبيحة ليكفّر عن خطيئة الإنسان. وحتى هابيل بن آدم عرف هذه الحقيقة!!! ذبح هابيل من خرافه وتقبّله الله منه. لكن أخاه قابيل قدم لله قرباناً بلا دم، أي من غلة حقوله، ولم يتقبل الله تعالى منه قربانه. لذلك جاء في القرآن الكريم: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا وتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} (المائدة 27) وهذا يبين لنا وبشكل أوضح أهمية الدم. إن الدم في الذبح ضروري لتكفير الخطايا. فالذبح بلا دم لا يفيدنا.
أي نوع من الذبح فعلاً يفيدنا عند الله؟
بالنسبة إلى ذبح الحيوانات، لقد جاء في القرآن الكريم: { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} (الحج 37) إذاً، يجب أن يكون الذبح الذي يفيدنا فعلاً عند الله أسمى من حيوان. والآية تفيدنا أيضاً بمعلومة إضافية أخرى مهمة للغاية:{ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} إن الله تعالى لا يتقبل إلا التقوى. وكلمة التقوى لا تنطبق على الحيوانات، كما نلاحظ في الكلمة الأخيرة: {منكم} !! ومَن هؤلاء المخاطبون؟ هم البشر!
الجزاء العادل
في إحدى بلاد الشرق، كان هناك قاضٍ أحضر إليه رجل متّهم بجريمة قتل. وبعد التحقيق، تأكد القاضي من أنه الفاعل، وأصدر القاضي حكمه العادل عليه. قال له القاضي: «الجزاء هو سفك الدم.» فطلب القاتل من القاضي فرصة ليكلم عبده فأذن له. وهمس القاتل في أذن عبده فذهب العبد إلى بيت القاتل وجاء بحمامة وقال القاتل: «سيدي القاضي، خذ حمامتي واسفك دمها.» فقال القاضي: «دم الحمام غير مقبول لخطيئة الإنسان.» فهمس إلى عبده ثانيةً، فذهب وأتى بدجاجة. وقال القاتل: «خذ دجاجتي واسفك دمها.» وقال القاضي: «دم الدجاج غير مقبول لخطيئة الإنسان.» فهمس إلى عبده ثالثةً، فذهب وأتى بكبش. وقال القاتل: «سيدي، خذ كبشي واسفك دمه.» فقال القاضي: «دم الكباش غير مقبول لخطيئة الإنسان.» فهمس إلى عبده مرة أخرى، فأحضر بقرة. وقال القاتل: «سيدي، خذ بقرتي واسفك دمها.» فقال القاضي: «دم الأبقار غير مقبول لخطيئة الإنسان.» فجاء العبد هذه المرة بجمل. وقال القاضي: «دم الجمال غير مقبول لخطيئة الإنسان.» وأخيراً عاد العبد ومعه رجل قال للقاضي: «أنا صديق هذا الرجل القاتل وأنا أريد أن أموت عوضاً عنه بإرادتي.» فتشاور القاضي مع الباقين ثم قال: «دم الإنسان مقبول لخطيئة الإنسان. خذوه وأعدِموه.»
إذاً، الذبح المقبول عند الله تعالى هو ذبح الإنسان. والآن نصل إلى أكبر سر من أسرار الأضحى وأهمها وهو:
من هو هذا الذبح؟
الجزء الثالث
لقد اكتشفنا عدة حقائق عن الذبح والآن نصل إلى أكبر سرّ من أسرار الأضحى وهو:
من هو الذبح؟
ماذا نعرف عن هذا الذبح؟
دعنا الآن نلخّص ما اكتشفناه إلى الآن عن الذبح:
1) الذبح الحقيقي ليس حيواناً ويمكن وصفه بالتقوى. إذاً، هو من بني آدم.
2) كان الذبح من عند الله، والله نفسه أرسله
3) كان الذبح طاهراً وكاملاً بلا عيب
4) أتى الذبح عن طريق معجزة
5) كان الذبح عظيماً
6) مات الذبح
7) عاش الذبح فترة زمنية معينة كافية لعملية الفداء
8) سفك دم الذبح
9) مات الذبح على جبل موريا
10) كان الذبح رمزاً لفداء الله
11) موت الذبح أعطى الحياة للإنسان
من هو هذا الذبح؟
1) من الاكتشاف الأول (الذبح الحقيقي ليس حيواناً ويمكن وصفه بالتقوى. إذاً، هو من بني آدم.) نعلم أن الذبح المرموز إليه كان إنساناً.
2) ومن الاكتشاف الثاني (كان الذبح من عند الله، والله نفسه أرسله) نعلم أنه من المرسلين من عند الله.
3) أما من الثالث (كان الذبح طاهراً وكاملاً بلا عيب)، نعلم أنه كان طاهراً وبدون ذنوب. وهل من المرسلين أحد بدون ذنوب؟ يظنّ فريق من الناس أن الأنبياء هم جميعاً معصومون عن الذنوب. ولكن هل يؤيّد القرآن الكريم ظنّهم هذا؟ لقد جاء في القرآن الكريم:
{إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم 34)
{إن الإنسان لكفور} (الحج 66)
{إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} (يونس 44)
{ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} (النحل 61)
{قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره} (عبس 17)
{إنه كان ظلوماً جهولاً }(الأحزاب 72)
{إن النفس لأمّارة بالسوء} (يوسف 53)
{إن الإنسان لكفور مبين} (الزخرف 15)
{فإن الإنسان كفور} (الشورى 48)
{وكان الإنسان كفوراً} (الإسراء 67)
ونلاحظ فوراَ أن القرآن الكريم لا يستثني الأنبياء أبداً. ولكن دعنا نتعمق اكثر ونتأكد من هذا الموضوع، لنرى ما يقوله القرآن الكريم عن بعض الأنبياء (عليهم السلام جميعاً):
عن آدم و حواء:{ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ( الأعراف 23)
وأيضا : { وعصى آدم ربه فغوى} ( طه 121).
عن نوح: {و إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} (هود 47)
وأيضا : { رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} ( نوح 28).
عن إبراهيم: { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82)
وأيضا : { رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم 41).
عن موسى: { فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان … قال رب ظلمت نفسي فاغفر لي} (القصص 15-16)
عن هارون: { ألا تتّبعن أفعصيتَ أمري} (طه 93)
عن موسى وهارون معا: { قال رب اغفر لي ولأخي} (الأعراف 151)
وأيضاً: {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} (الشعراء 51)
عن داود: {فاستغفرَ ربه} (صاد 24)
عن سليمان:{ إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي …قال ربي اغفر لي} (صاد 32،35)
عن يونس:{ إني كنت من الظالمين } (الأنبياء 87)
وأيضاّ: { فالتقمه الحوت وهو مليم} (الصافات 142)
عن محمد (ص): {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}(الفتح 2)
وأيضاّ: { واستغفرْ لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} (محمد 19)
وأيضاّ: { واستغفرْ لذنبك وسبح بحمد ربك} (المؤمن أو غافر 55)
وأيضاّ: { واستغفرْ الله} (النساء 106)
وأيضاّ: { عبس وتولى إذ جاءه الأعمى} (عبس 1-2)
وأيضاّ: { فسبح بحمد ربك واستغفرْه} (النصر 3)
وأيضاّ: { وضعنا عنك وزرك}(الانشراح 2)
وأيضاّ:{ وقل رب اغفر وارحم}(المؤمنين 118)
لكن ماذا يقول القرآن الكريم عن المسيح عيسى بن مريم ؟؟؟ أولاً، لم يذكر القرآن الكريم أيّ ذنب أو خطيئة أو سبب للاستغفار. وليس فقط لم ينسب القرآن الكريم أية سيّئة للمسيح البتّة، بل يقول عنه عكس ذلك أيضاً: {لأهب لك غلاماً زكياً}(أي طاهراً وبدون أي خطيئة – مريم 19) ولا يصف القرآن الكريم أحداً غير المسيح عيسى بن مريم بأنه {زكي}.
إذا، المسيح عيسى بن مريم هو الوحيد الذي يتصف بالاكتشاف الثالث، وبالتالي هو الوحيد الذي يمكن له أن يكون الذبح الحقيقي. وهل يتصف بباقي الاكتشافات؟
4) بالنسبة إلى الاكتشاف الرابع (أتى الذبح عن طريق معجزة) ، هل أتى سيدنا عيسى إلى الدنيا عن طريق معجزة؟ نعم بالتأكيد!! هو وحده ولد من عذراء، كما جاء في القرآن الكريم: { والتي أحصنت فرجها ونفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} (الأنبياء 91) و : { ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} (التحريم 12)
5) بالنسبة إلى الاكتشاف الخامس (كان الذبح عظيماً)، هل لدى سيدنا عيسى عظمة؟ أيضا، نعم بالتأكيد. أولاً، يذكر القرآن الكريم عن سيدنا عيسى بن مريم {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين} (آل عمران 45) وأيضاً {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء 171). إن المسيح عيسى بن مريم وحده يتصف في القرآن الكريم بكلمة {وجيها} وهو وحده {كلمته} (أي كلمة الله) و{روح منه} ثانياً، إن القرآن الكريم لم يذكر إلا عن آدم وعيسى أن تتميّز علاقتهما مع الله بحيث نفخ الله فيهما من روح الله العظيم. عن آدم جاء في القرآن الكريم: { ثم سواه ونفخ فيه من روحه} (السجدة 9). ولكن بسبب عصيان آدم، انتزعت علاقته مع الله العظيم، كما جاء في القرآن الكريم: {وعصى آدم ربه فغوى} ( طه 121).
وعن المسيح جاء في القرآن الكريم: { والتي أحصنت فرجها ونفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} (الأنبياء 91) و : {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} (التحريم 12). فيؤكد القرآن الكريم أن سيدنا عيسى لم يفقد علاقته المميزة مع الله تعالى، كما فَعَلَ آدم ، لأنه جاء عنه وحده في القرآن الكريم: {لأهب لك غلاماً زكياً}(مريم 19). لقد تميّزَ المسيح عيسى بن مريم بأن الله عز وجل نفخ في سيدتنا مريم فحبلت بعيسى بدون رجل وبأن لم تنتزع علاقته مع رب العالمين، لأنه زكي وخالٍ من الذنوب والخطايا. لذلك له طبيعة بشرية من أمه مريم وأيضاً له طبيعة روحانية مقدسة من روح الله المنفوخة فيه، إذاً، علاقة سيدنا عيسى مع رب العالمين هي علاقة مميزة فريدة، فيتصف المسيح عيسى بن مريم وحده بالاكتشاف الخامس.
6) بالنسبة إلى الاكتشاف السادس (مات الذبح)، هل مات سيدنا عيسى بن مريم؟
الاعتقاد السائد:
يقول فريق من الناس أن لم يمت{المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء 171). وأصحاب هذا الرأي يعتمدون على بضعة كلمات في آية واحدة {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} (النساء 157).
ولأنهم يتجاهلون سياق الكلام وباقي ما جاء في القرآن الكريم عن الموضوع، هم يحرّفون كلمات القرآن الكريم عن مواضعها. مَثَلهم كمَثَل الذين يقولون:»نحن لا نصلي لأن القرآن الكريم يمنع الصلاة بالآية: {لا تقربوا الصلاة} (النساء 43 ). الفكرة الكاملة في هذه الآية هي: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ولا يمنع القرآن الكريم الصلاة بتاتاً. هكذا نرى أن تجاهل السياق قد يؤدّي إلى استنتاجات خاطئة وأن اختيار بضعة كلمات وتجاهل السياق والآيات الأخرى التي تتعلق بالموضوع يعتبر تحريفاً.
سياق النص مهم:
ولو قرأنا الآية في إطار سياقها، لفهمناها بالطريقة السليمة. أولاً، عن مَن تتكلم هذه الآية (النساء 157)؟ انظر بدقة! موضوع الجملة (الفاعل) ليس السيد المسيح عيسى بن مريم بل هو مجموعة من الناس (هم) لم تحددهم هذه الآية، بل تحددهم الآيات التي تسبقها بكل وضوح، أي أن السياق يوضح لنا المعنى. دعنا نرى الآيات التي تسبقها (النساء 153 – 156):
{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكثر من ذلك}(153) عمن تتكلم الآية؟ عن شعب موسى، أي اليهود.
{ورفعنا فوقهم الطور … وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} (154) عمن تتكلم؟ عن أصحاب السبت، أي اليهود.
{فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق} (155) عمن تتكلم؟ عن شعب الأنبياء ، أي بني إسرائيل.
{وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (156) عمن تتكلم؟ عن بني إسرائيل، أي اليهود.
{ ولقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} (157) عمن تتكلم الآية؟ عن اليهود في أيام المسيح عيسى بن مريم.
{ وما قتلوه وما صلبوه} (157) عمن تتكلم الآية؟ أيضاً عن شعب موسى، أي اليهود.
{ ولكن شبه لهم} (157) عمن تتكلم الآية؟ عن شعب موسى، أي اليهود.
المعنى الحقيقي:
كما رأينا، الآية 157 هي تكملة للآيات التي تسبقها، وجميع هذه الآيات تخص موضوعاً واحداً هو :شعب موسى، أي بني إسرائيل أو اليهود. فبعدما فهمنا هذا، الآن نستطيع أن نفهم المعنى السليم للآية {ولقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} (النساء 157): أي أن اليهود قالوا إن اليهود قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسول الله واليهود ما قتلوه واليهود ما صلبوه ولكن شبه لليهود هكذا. فعن مَن تتكلم الآية؟ عن اليهود. وماذا تقول الآية؟ إن اليهود نفسهم ما قتلوا المسيح عيسى بن مريم. ولكن هل تذكر الآية عدم موت المسيح عيسى بن مريم؟ كلا، ولا في القرآن الكريم بأكمله، كما سنرى!
وفعلاً هم ما قتلوه. ونرى في التاريخ أن اليهود لم يستخدموا أبداً الصليب كأداة للإعدام بل استخدموا أسلوب الرجم، والذين استخدموا الصليب للإعدام كانوا الرومان. فالرومان هم الذين فعلوا هذا العمل الشنيع (صلب المسيح عيسى بن مريم) ليرضوا اليهود. وجاء هذا موافقاً لتنبؤات التوراة الحكيمة ووصف الإنجيل الشريف، إضافةً إلى باقي الآيات في القرآن الكريم عن هذا الموضوع.
هدف اليهود:
من المؤكد أن اليهود رفضوا رسالة المسيح عيسى بن مريم وأرادوا أن يتخلصوا منه ومن رسالته ،كما جاء في القرآن الكريم:
{ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} (البقرة 87 )
و {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم، فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} (المائدة 70 )
و{مكروا} (آل عمران 54)
وفعلاً مَكَرَ اليهود ضده وأرادوا التخلّص النهائي منه ومن رسالته. كان بإمكان اليهود تحت استعمار روما آنذاك أن ينفّذوا حكم الإعدام بالرجم فقط، ولكنهم لم يريدوا أن يرجموا سيدنا المسيح عيسى بن مريم حتى لا يموت كشهيد ويتمجد بذلك، بل أرادوا له موتاً شنيعاً على الصليب.
مكر اليهود:
إذاً، لماذا ادّعى اليهود{إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله} ، لأنهم لم يقوموا هم أنفسهم بقتله؟ فبعد أن قبض اليهود على سيدنا المسيح عيسى بن مريم وسلّموه للرومان الوثنيين ليعدموه، شبّه لهم (لليهود) أنهم تخلصوا منه وأنهم أنهوا تأثيره على شعبهم. ولكن ماذا حدث؟ إن الله أحياه من الموت وانتصر على اليهود الكافرين وكان ذلك فوزاً كبيراً والله على كل شيء قدير، كما جاء في القرآن الكريم: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} (آل عمران 54).
هذه بعض الآيات القرآنية الأخرى تخصّ موت المسيح عيسى بن مريم والتي يتجاهلها البعض:
{ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم 33)
{ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} (آل عمران 55)
{وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} (المائدة 117)
{ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البيّنات وأيدناه بروح القدس أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم، استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} (البقرة 87)
{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} (مريم 31)
{وأيدناه بروح القدس} (البقرة 253)
{فَلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم} (الأنفال 17)
{لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران 169)
بعض الملاحظات:
*) كان المسيح عيسى بن مريم يَعلَم سابقاً أنه سيموت وأن يوم موته سيكون يوماً مباركاً.
*) لقد قال الله تعالى إنه متوفي المسيح عيسى بن مريم (أي إنه مميته) ومن ثم إنه رافعه إلى عنده تعالى.
*) قال المسيح عيسى بن مريم لله إنه تعالى قد توفاه {توفيتني} أو أماته سابقاّ، أي قبل نزول القرآن الكريم.
*) اعتاد اليهود أن يقتلوا الرسل والأنبياء
*) أتى موسى وكذّبوه وأتى المسيح عيسى بن مريم وقتلوه.
*) ترتيب الحوادث واضحٌ وهامٌ جدا. إن الجميع يتّفقون أن المسيح عيسى بن مريم قد عرج أو رفع إلى عند الله ولكنهم لا يتفقون على متى حدث ذلك. فدعنا نلاحظ الترتيب الذي يستخدمه القرآن الكريم في وصفه لما حدث:
{السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم 33) أولا الولادة ثم الموت ثم البعث.
{ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} (آل عمران 55) أولا الموت ثم الرفع ثم تطهيره من الكفار ثم جعل أتباعه فوق الكفار ثم يوم القيامة.
هل للقرآن الكريم أن يذكر هذا الترتيب إذا كان المقصود به ترتيباً آخر؟ كلا. ذكره القرآن الكريم لأنه هو الترتيب التاريخي. أولاً ولد سيدنا المسيح عيسى ين مريم، ثم مات، ثم رفع، ثم كان مطهّراً من الكفار عند الله، وثم كان أتباعه فوق الكفار ومن ثم سيكون أتباعه فوق الكفار إلى يوم القيامة. إذاً، مات المسيح عيسى بن مريم قبل أن يصبح أتباعه فوق الذين كفروا، أي في الماضي.
*) الله تعالى وصّى المسيح عيسى بن مريم بالصلاة وزكاة ما دام حيا. والسؤال للذين يصرّون بعناد أن المسيح عيسى لم يمُت بعدُ هو: لمن يزكّي المسيح الآن إذا كان فعلاً لم يمت بعدُ؟ هل عند الله تعالى فقراء يحتاجون إلى المال والطعام؟ كلا، لأن الفقراء هم في الدنيا وليس عند الله تعالى.
*) هل عجز الله الذي أيّد المسيح عيسى بن مريم بروحه القدس أن يؤيده إلى النهاية؟ حاشا لله. كان يستطيع الله أن يؤيّد المسيح عيسى بن مريم حتى النهاية ليمنع موته، ولكن لم يمنعه! لماذا؟ إن الله عز وجل هو على كل شيء قدير ومسيطر ومهيمن. إذاً، علينا أن نعتبر أن موت المسيح عيسى بن مريم حدث بإرادة الله تعالى. وهذه الحالة مماثلة بما جاء في القرآن الكريم: {فَلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم} (الأنفال 17) و أيضاً :{لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران 169)
التهرب من المعنى الواضح
هناك بعض الناس يعترضون بعدَ كل هذا ويظنّون أن كلمة «متوفي» لا تعني الموت بل سحب المرء من الأرض دون الموت إلى حضرته تعالى! فمن الواضح أنّ رأي أولئك الناس ضد القرآن الكريم، لأن هذا المعنى غير موجود في كل القرآن الكريم، حيث ذكرت كلمة «متوفي» 23 مرة بالإضافة إلى الآيتين التي تتحدث عن المسيح عيسى بن مريم (والتي قرأناها أعلاه). وفي القرآن الكريم، تعني هذه الكلمة سورة الزمر 42 «أخذ النفس عند الموت» وفي باقي الآيات الـ22 تعني كلمة «توفي» «موت». ويستطيع القارئ الذي فعلاً يريد الحق في الموضوع أن يقرأ جميع هذه الآيات بدقة ولن يجد أي معنى آخر! وهذه الآيات هي: (البقرة 234 و 240و آل عمران 193 والنساء 15 و 97 والأنعام 60 و61 والأعراف 37 و 126 والأنفال 50 ويونس 46 و 104 ويوسف 101 والرعد 40 والنحل 28 و 32 و 70 والحج 5 والسجدة 15 والزمر 42 والمؤمن أو غافر 67 و 77 و محمد 27).
اعتراض الشرف:
قد يعترض البعض بعدَ جميع الذي سبق: «هل يسمح الله للكفار أن يهينوا نبياً من أنبيائه ويقتلوه؟» فقبل أن نجيب على هذا السؤال، دعنا نرى ما جاء في القرآن الكريم عن الموضوع:
{ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم، استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} (البقرة 87)
و {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم، فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} (المائدة 70 )
و{قل فَلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} (البقرة 91)
و{كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلهم الأنبياء يغير حق} (آل عمران 112)
و{سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق} (آل عمران 181)
و{قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فَلِمَ قتلتموهم إن كنتم صادقين} (آل عمران 183)
و{فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق} (النساء 155)
و{ذلك أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلهم النبيين بغير حق} (البقرة 61)
و{إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلهم النبيين بغير حق} (آل عمران 21)
إن جميع هذه الآيات واضحة كل الوضوح أن اليهود قد اعتادوا أن يقتلوا كثيرين من الأنبياء والرسل. وإذا سمح الله تعالى أن يقتل اليهود الأنبياء والرسل، فلماذا الاعتراض؟ إذاً، من المفهوم أيضاً أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم.
ولكن قضية الشرف مهمة عند الله تعالى الذي لا يهان، كما نرى في الرواية التالية:
شرف الأمير
في أيام الإغريق، كان ملك أثينا كبيراً بالسن ولم يرزق إلا بابن وحيد. وانهزم ملك أثينا أمام ملك قوي واشترط الملك الغالب أن يعطيه مهما طلب قبل أن يوافق على الانسحاب. وقال ملك أثينا لنفسه: «مهما كان طلبه ، هو خير من هلاك المملكة كلها، والشعب، وممتلكاتي ، وحياتي.» وما كان له مهرب، فوافقَ. وبعد بضعة شهور، بعث الملك المنتصر بطلبه قال: «أرسل إليّ شاباً بهي الطلعة، وقوي الجسد، حسن الخُلُق لأذبحه لآلهتي.» وأعلن الملك طلب هذا الملك المنتصر في جميع أنحاء المملكة حتى يتقدم إليه من يريد أن يضحي فداءً للمملكة ولم يتجاسر أحد على التقدم وكادت المهلة التي أعطاها الملك المنتصر أن تنتهي فسمع الأمير بالخبر وذهب إلى أبيه وقال: «إن هذا الطلب غير معقول. لا يمكنك أن تقبله يا أبي.» وأجابه الملك بحزن: «يا بنيّ لا نستطيع أن نرفض. لأنني قد وعدتُه أولاً، وثانياً إن جيشه أكبر من جيشنا عشرين ضعف. لو رفضت طلبه، سوف نهلك جميعاً.»
فقال الأمير: «إذاً، دعني أذهب أنا ، فيذبحني وأفدي الشعب وبذلك نتحرر من قيد هذا الملك. » قال الملك: «أتتركني من دون وريث، والمملكة من دون ولي عهد؟» أجاب الأمير: «يا أبتِ، ألم تقل الآن إن لو رفضنا طلبه، سنهلك جميعاً؟ إن تضحيتي وموتي خير من هلاك المملكة.» قال أبوه الملك: «لكنني أتمنّى لك الشرف الذي يأتيك يوم تتوّج ملكاً.» قال الأمير: «يا أبي العزيز، لا شرفَ أعظم من تضحية المرء بحياته في سبيل إنقاذ مواطني مملكته الذين يحبّهم. أرجوك أن تمنحني هذا الشرف.» وقبل الملك بتضحية ابنه عندما رأى إصراره، وودع ابنه بحزن شديد، وأرسله إلى الملك المنتصر ليقدم نفسه إليه. تعجب الملك الغالب أن ولي العهد نفسه قد جاء إليه وسأله: لماذا جئت أنت؟» أجاب: «لقد جئت بإرادتي لأضحّي بنفسي لأفدي شعبي ومملكتي.» قال الملك: «حسنا. اذبحوه.» وذبحه الملك المنتصر لآلهته.
ولكن في تلك الليلة، أحس الملك بتضحية الأمير الثمينة وأدرك الشرف الكبير الذي كسبه الأمير المذبوح. فبموته كان فداءً لمملكته وشعبه. وعندما جاء الصباح، قرر الملك إقامة سلام دائم علاقة متينة مع مملكة الأمير المذبوح، ودامت لأجيال كثيرة لاحقة.
إذاً ، الله تعالى لا يهان بل يكسب الشرف الأعظم مما يعتبره الناس «إهانة».
كان المسيح عيسى بن مريم بطريقة مماثلة مضحياً:
أليس هكذا ضحّى المسيح عيسى بن مريم بنفسه؟ لأنه جاء في القرآن الكريم:
{إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله} (آل عمران 49)
و{ وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} (المائدة 110)
والذي يقدر على إحياء الموتى وإخراجهم هو قادر أيضاً على أن يحفظ حياته، كما نرى في هذه الرواية.
هل قتله أم لا؟
رُوِيَ بأن رجل اعتقل بتهمة القتل، وفي المحكمة، أثبت المدّعي العام بأن الميّت قد مات بسبب طعنات خنجر، وأَحضَرَ المدعي العام خنجراً برهن للمحكمة أن الدم الموجود على الخنجر هو دم الميّت كما أن البصمات الموجودة على الخنجر هي بصمات المتّهم. ولكن محامي الدفاع لم يعترض على هذه الإثباتات ولم ينكر أن موت الرجل كان بسبب طعنات المتهم ولكنه قدم للمحكمة دليلاً واحداً يثبت فيه أن الميّت، عندما طعنه المتهم بخنجر، كان يحمل سلاح «رشاش» جاهزاً للإطلاق وكان يستطيع أن يدافع عن نفسه بواسطة هذا السلاح لكنه لم يفعل ذلك، وبناءً عليه، قررت هيئة المستشارين أن موته لم يكن حادثة قتل بأي حال من الأحوال وأفرِج عن المتهم.
فموت المسيح عيسى بن مريم أيضاً يعني أنه قد سلّم نفسه للموت بإرادته لأن لا أحد كان يقدر أن يأخذ منه حياته. إذاً، علينا أن نعتبر المسيح عيسى بن مريم ليس مقتولاً فحسب، بل مضحّياً بنفسه. فبالخلاصة لجميع ما سبق عن السؤال، نعم، مات المسيح فعلاً، وينطبق على المسيح عيسى بن مريم الاكتشاف السادس.
7) بالنسبة إلى الاكتشاف السابع (عاش الذبح فترة زمنية معينة كافية لعملية الفداء)، هل عاش المسيح عيسى بن مريم فترة زمنية كافية لعملية الفداء؟ لقد رأينا أعلاه أن المسيح عيسى بن مريم كان مضحّياً، وبالتالي، نعم، عاش المسيح عيسى بن مريم فترة كافية ليضحّي بنفسه في عملية الفداء. فينطبق على المسيح عيسى بن مريم الاكتشاف السابع.
8) الاكتشاف الثامن هو (سفك دم الذبح) وهل سفك دم المسيح؟ أي، هل في أداة الصليب يسفك الدم؟ نعم، فيها سفك الدم باستخدام المسامير لتعليق الجسم على الخشبات. فينطبق على المسيح عيسى بن مريم الاكتشاف الثامن.
9) الاكتشاف التاسع هو (مات الذبح على جبل موريا)، وهل مات المسيح عيسى بن مريم على جبل موريا؟ نعم. كان موقع الصليب على جبل موريا خارج مدينة القدس. فيتصف المسيح عيسى بن مريم بالاكتشاف التاسع.
10) الاكتشاف العاشر هو (كان الذبح رمزاً لفداء الله)، وهل كان المسيح عيسى بن مريم رمزاً إلى فداء الله؟ نعم. لقد قال سيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام عنه: «ها هو حمل الله الذي سوف يذبح لتكفير خطايا العالم.» فيتصف المسيح عيسى بن مريم بالاكتشاف العاشر.
11) وأخيرا، الاكتشاف الحادي عشر هو (موت الذبح أعطى الحياة للإنسان). وهل أعطى موت المسيح عيسى بن مريم حياة للإنسان؟ نعم ونعم. أولاً، المسيح عيسى بن مريم كان يُحيي الموتى قبل أن يموت هو نفسه. ثانياً، كما رأينا في رواية «شرف الأمير»، إذا ضحى المرء بنفسه، فموته يعطي الحياة للإنسان. وثالثاً، كما رأينا في «الجزاء العادل»، عندما يقدّم إنسانٌ بريءٌ حياتَه عوضاً عن مذنب يستحق الموت، عملية الفداء هذه تعطي للمذنب الحياة. فينطبق على السيد المسيح عيسى بن مريم الاكتشاف الحادي عشر.
إذاً، المسيح عيسى بن مريم هو ليس فقط الوحيد الذي يمكن أن يكون الذبح، بل هو ذلك الذبح العظيم نفسه، لأنه يتصف بجميع صفات الذبح. والآن نستطيع أن نفهم بشكل أوسع المعاني السرّية للآية {وفديناه بذبح عظيم} (الصافات 107) . لماذا هو عظيم؟ لأن تضحيته العظيمة شملت الجنس البشري كلهم.
قصة الجرّاح والمرضى
كان هناك منذ بضعة سنين طبيب جراح مشهور وماهر ونجا على يده كثيرون من الموت الأكيد. وذات يوم، كان في المشفى ثلاثة مرضى أثبتت التحاليل الطبية أن جميعهم مصابون بالسرطان ولا بد من إجراء عملية جراحية فورية لكل واحد منهم. وبينما كانوا يتحدثون معاً في غرفة الانتظار، قالت المريضة الأولى: » أنا لا أحتاج إلى الجراحة لأنني بنت عم هذا الطبيب الجراح المشهور وأعزه وأحبه كثيراً. فلذلك لن أخضع للعملية.» وقال الثاني: «وأنا أيضاً لا أحتاج إلى الجراحة. لأنني قرأت مقالات كثيرة عن مهارة هذا الطبيب وسمعت بعض محاضراته العلمية وأنا أؤمن بمهارته وقدرته الفائقة. فلذلك لا أحتاج إلى هذه الجراحة ولا داعيَ لهذه العملية.» أما الثالث، فقال » أنا لا أقربه ولا قرأت مقالاته العلمية، ولكنني سأطلب منه أن يقوم بالعملية الجراحية المطلوبة فوراً.»
عزيزي القارئ، برأيك أي هؤلاء المرضى سوف يشفى من مرضه؟
ماذا كان حدث لسيدنا إبراهيم لو لم يقبل الذبح الذي أعطاه الله إليه؟ كان مات ابنه. وماذا يحدث معك، أيها القارئ، إذا ما قبلت الذبح من عند رب العالمين؟ مصير الذين يرفضون صراط الله المستقيم للنجاة هو جهنم.
نحن كلنا مصابون بسرطان الخطيئة ونحتاج إلى ذلك الذبح العظيم للعلاج، كما رأينا أعلاه. أين ثقتك، أيها القارئ؟؟؟ هل اتخذت القرار لتتكل على أعمال نفسك الأمّارة بالسوء؟؟؟ أم على أشخاص يحتاجون هم نفسهم إلى من يفديهم ؟ أم على {المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء 171)، الذبح العظيم نفسه؟؟؟ اتّكالك على المسيح هو الطريق الوحيد لغفران خطاياك. هل خطاياك مغفورة، أيها القارئ؟؟؟ أتمنى ذلك.
إن عرفت فعلاً أنك مصاب بمرض الخطيئة وكنت حزيناً بذلك، وإن وجدت نفسك بحاجة إلى الفداء الذي متوفر في المسيح عيسى بن مريم وهو الطريق الوحيد إلى قوارب النجاة، وإن أردت أن تطمئن قلبك بأن ذنوبك مغفورة، وإن قررت أن تثق بالتضحية التي قام بها ذلك الذبح العظيم المسيح عيسى بن مريم، عوضاً عنك وإذا صممت أن تتكل عليه وحده لمصيرك الأبدي، ادعُ الله تعالى بمثل هذه الدعاء:
اللهم، أيها الرحمن الرحيم
ربنا، إني على ذنوبي حزين
ربنا، وإنك في غفرانك كريم
ربنا، فاِرحمني لأني خطّاء أثيم
ربنا، وافدِني بالمسيح، الذبح العظيم
ربنا، وأعطِني نصيباً في جنات النعيم
ربنا، واِهدِني دوماً إلى الصراط المستقيم
ربنا، لقد توكلت عليك إلى أبد الآبدين
آمين
Para escribir en árabe: <p dir=»rtl»>tu comentario</p>